ويبدأ خروجها من أول تلك الحافة وهو ما يحاذي وسط اللسان بعيد مخرج الياء ، ويمتد إلى آخر الحافة عند مخرج اللام . ( )
ويرتفع اللسان عند النطق به ( ) حتى يلتصق بما يحاذيه من الحنك ، فينحصر صوت الضاد بينهما ( ) ، ويثقل النطق به لبعده عن ذلق اللسان ( ) ، وينحبس النفس لقوة الاعتماد على المخرج ( ) ، ولا ينحبس صوتها . ( )
وهذا المخرج المتقدم إنما هو خاص بالضاد وحدها ، لا يشاركها فيه غيرها ، وبذلك فالضاد متميزة عن غيرها كل التميز، إذ أن فائدة المخارج تمييز الحروف عن بعضها ، فإن الحروف ولوا تحدت في الصفات تتميز بمخارجها .
فالجيم والدال مثلاً متحدتان في الصفات جميعاً لكن تميزت كل واحدة عن الأخرى بالمخرج ، وكذلك الكاف والتاء ، والثاء والحاء ، وغيرها من الحروف .
فالضاد بمخرجها قد تميزت عن باقي الحروف جميعاً ، فمن شابها بغيرها من الحروف كالظاء أو الدال أو اللام فقد أخطأ خطأ كبيراً ، لأن كل واحد من هذه الحروف متميز عن الآخر بمخرجه الخاص به ، علاوة على الاختلاف في الصفات .
وقد ذهب بعض الناس إلى أن الصحيح في نطق الضاد أن تكون شبيهة بالظاء حتى يصعب التمييز بينهما مستدلين لذلك بأدلة أرى من واجبي تفنيدها .
فأول أدلتهم على ذلك : كلام العلامة ابن الجزري وغيره من علماء اللغة والقراءات بأن الضاد أصعب الحروف العربية ، وأنه لولا مخرج الضاد واستطالتها لكانت ظاء .
وهذا حق لا مرية فيه لكنه قد يفهم على غير وجهه .
فأما قولهم بأن الضاد أصعب الحروف : فلاشك أن الضاد بهذا الوصف الذي قدمناه في أول الباب من المخرج والصفات الملازمة للحرف حال خروجه تجعله من أصعب الحروف لاسيما على من اعتاد أن ينطقه ظاء أو طاء أو دالاً أو غير ذلك من النطق الخطأ .
وهناك حروف يصفها المحققون بالثقل والصعوبة وما أسهلها على من اعتادها ، كالهمز مثلا : موصوف بأنه أثقل وأشد الأصوات كما قال الضباع ـ رحمه الله ـ : ولثقل الهمز جرى أكثر العرب على تخفيفه . ( )
وقال الدكتور إبراهيم أنيس : والنطق بالهمزة عملية تحتاج إلى جهد عضلي مما يجعل الهمزة أشد الأصوات . ( )
وقال مكي بن أبى طالب ـ رحمه الله تعالى ـ : الهمزة على انفرادها حرف بعيد المخرج جلد صعب على اللافظ به بخلاف سائر الحروف مع ما فيها من الجهر والقوة ، ولذلك استعملت العرب في الهمزة المفردة ما لم تستعمله في غيرها من الحروف ، فقد استعملوا التحقيق والتخفيف وإلقاء حركتها على ما قبلها وإبدالها بغيرها من الحروف وحذفها في مواضعها ، وذلك كله لاستثقالهم لها ، ولم يستعملوا ذلك في شئ من الحروف غيرها . ( )
هذا كلام علماء الحروف عن الهمزة فماذا يعنون بذلك ؟
والجواب أنهم يعنون من اعتاد على النطق الخطأ ، أما من اعتاد على النطق الصحيح فما أسهله عليه ، وأكثرالناس اليوم لا يجدون تلك الصعوبة في الهمز ، وبعضهم ما يزال يعانيها ، وكذلك الضاد إذا تدربت على نطقها الصحيح سهل ذلك عليك حتى يصبح سجية وطبعاً .
قال الإمام السخاوي ـ رحمه الله ـ مؤكداً ذلك :
والضاد عال مستطيل مطبق
حاشا لسان بالفصاحة قيم
جهر يكل لديه كل لسان
ذرب لأحكام الحروف معان
فانظر كيف استثنى اللسان الفصيح من الكلالة والصعوبة ، ثم قال :
كم رامه قوم فما أبدوا سوى
ميزه بالإيضاح عن ظاء ففي
لاماً مفخمة بلا عرفان
أضضللن أو في غيض يشتبهان
يعني إن لم تميزه يشتبه بالظاء ، فميزه حتى لا يشتبه بها ، ولو كان المقصود أن يخرج مشتبهاً بالظاء لما كان للأمر بالتمييز أية معنى .
وأما قولهم : لولا المخرج والاستطالة لكانت الضاد ظاء , فلا حجة فيه لمن نطق الضاد ظاء ، بل هذا حجة عليه لأنهم قالوا ذلك رداً على من يخلطون بين الضاد والظاء ، كما يفهم من بقية كلام ابن الجزري ـ رحمه الله تعالى ـ حيث اشتد نكيره على من خلط بينهما ، وقد وصل النكير ببعض العلماء إلى إبطال صلاة من نطق الضاد ظاء ، كما ذكر ذلك الصفاقسي ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه تنبيه الغافلين .
وهاهنا قاعدة مهمة يجب التنبه لها : ألا وهي :
ما المعتبر في تحديد المخارج ؟
والإجابة أن المعتبر في تحديد المخارج إنما هو الطبع السليم ، فالمخارج ما حددت إلا على حسب ما يجده صاحب النطق السليم عند النطق بالحرف ، كما قال أبوشامة نقلا عن الداني ــ رحمها الله تعالى ــ:
أما ترى أنك إذا نطقت بالنون والراء ساكنتين وجدت طرف اللسان عند النطق بالراء فيما هو بعد مخرج النون هذا هو الذي يجده صاحب الطبع السليم .
قال أبو شامة : وقد يمكن إخراج الراء مما هو داخل من مخرج النون أو من مخرجها ، ولكن بتكلف لا على حسب إجراء الطبع السليم ، والكلام في المخارج إنما هو على حسب اشتقاق الطبع لا على حسب التكلف . ( )
ولا يمكن أن يكون صاحب الطبع السليم خلط الضاد بالظاء ، بل لا بد أن يكون ميز كل واحدة منهما عن الأخرى كما تميزت باقي الحروف عن بعضها .
هذا هو الصحيح ، لأن السين والزاي اشتركتا في المخرج واتحدتا في جميع الصفات إلا أن السين مهموسة والزاي مجهورة ، ومع ذلك تميزت كل واحدة عن الأخرى ، وحق لنا أن نقول : لولا الهمس الذي في السين والجهر الذي في الزاي لكانت إحداهما عين الأخرى ، وهذا لا يدل أبداً على خلط إحداهما بالأخرى عند النطق .
ومما يستدلون به أيضا: ما فعله ابن الجزري وغيره حيث عقدوا باباً يميزون فيه ما كانت مادته الظاء عن ما كانت مادته الضاد.
وعلة ذلك ـ والله أعلم ـ هي عموم البلوى بهذه الضاد الظائية فأراد ــ رحمه الله ـ أن يبين لهؤلاء العاجزين عن التمييز بين الحرفين والذين استسهلوا الظاء فجعلوا القرءان كله بها خصوصاً وأن الضاد في رسمها ليست ببعيدة عن الظاء ولذلك أجمعت المصاحف على كتابة ( وما هو على الغيب بضنين ) بالضاد الساقطة ، وصحت قراءته بالضاد والظاء جميعاً مع أن من شروط صحة القراءة موافقة الرسم .
قال الشيخ إبراهيم عطوة ـ رحمه الله ـ : ولا مخالفة في الرسم إذ لا مخالفة بينهما ألا في تطويل رأس الظاء على الضاد . ( )
وقال الصفاقسي نقلاً عن الجعبري ـ رحمهما الله تعالى ـ : لكن في الرسم الكوفي يرفع للضاد خطيط يشبه خط الظاء ، وهو معنى قولنا :
والضاد في كل الرسوم تصورت
وهما لدى الكوفي مشتبهان ( )
فأراد ابن الجزري أن يبين لهؤلاء ما يقرأ بالضاد من غيره ليرجعوا إلى الصواب إن قدروا ، فإن عجزوا فلا تكلف نفس إلا وسعها ، لكن عليهـــم أن يقــــروا بخطئـهم لأنهم إذا قرءوا ( الضالين ) بالظــاء ولم يعرفوا أنها ضاد وأنهم المخطئون فسد فهمهم للقرءان فضلاً عن نطقهم .
ففعل ذلك لسببين - والله أعلم -:
الأول : تنبيه من أراد النطق الصحيح ممن اعتاد الخطأ حتى نسى الضاد .
الثاني : تنبيه من عجز عن النطق الصحيح حتى لا يلتبس المعنى.
ولذلك نجد أنه شدد على من لم يميز الضاد من ناحية فساد المعنى واستحالته ، كما أنه وغيره من القراء نبهوا على الاعتناء بالضاد عند الطاء في نحو ( ثم أضطره - المضطر ) وعند التاء في نحو ( أفضتم - فرضتم ) ولو كانت الضاد كما يقولون لما احتيج إلى هذا التنبيه ، لأنه من اليسر أن تقول : أظطره ـ المظطر ـ أفظتم ـ فرظتم ...
فذلك كله وما قدمنا يدل على أن مرادهم - رحمهم الله تعالى-: رد الناس إلى الحق.
ومما يستدلون به : وصف الضاد بالاستطالة ، وهذه حجة عليهم وليست لهم ، لأنهم وصفوها بذلك في معرض التحذير من خلط الضاد بالظاء .
قال ابن الجزري :
والضاد باستطالة ومخرج ميز من الظاء ..
وبعضهم يفهم أن الاستطالة معناها : امتداد الصوت إلى مالا نهاية ، وهذا ما لا نتكلف الرد عليه فقد كفانا إياه صاحب نهاية القول المفيد فقال ص58 :
الاستطالة معناها امتداد الصوت من أول حافة اللسان إلى آخرها ، وهذا التعريف أولى مما وقع في بعض الرسائل ( الاستطالة : امتداد الصوت ) وذلك لأن امتداد الصوت لا يخص الضاد...
قال الجعبري : فرق بين المستطيل والممدود بأن المستطيل جرى في مخرجه ، والممدود جرى في نفسه .. وتوضيح هذا أن المستطيل جرى في مخرجه بقدر طوله ولم يتجاوزه .
قلت : فظهر من ذلك أن الاستطالة لها حد تقف عنده ، والاستطالة من صفات القوة ، فبذلك زادت الضاد قوة على الظاء وإن كان كلاهما قوياً لكن هذا التفاوت في القوة يستأنس به في تفسير التفاوت بينهما في الرخاوة فكلا الحرفين رخو لكن زيادة قوة الضاد على الظاء بالاستطالة فاوتت بين رخاوة الضاد ورخاوة الظاء فبعض الناس يريد أن يسمع صوت الضاد جارياً دون انقطاع بحجة رخاوته .
وعلى هذا الكلام ، أين رخاوة الهاء ؟
وأين رخاوة الفاء ؟ وأين رخاوة الثاء ؟
أما الهاء فسرعان ما ينقطع نفسها وصوتها مع أنها رخوة مهموسة ، وهذا يقتضي جريان النفس والصوت معاً ، لكن الخفاء الذي في الهاء قلل من هذا الجريان حتى انقطع بعد زمن يسير .
وكذلك الاستطالة التي في الضاد وبعد مخرجه كل ذلك قلل من جريان صوته . هذا وليعلم أن الكلام في باب الصفات أكثره اجتهاد نظري ( ) وأن المعول في القراءة ـ كما هو المعلوم - على التلقي من أفواه المشايخ المتقنين المسندين إلى سيد المرسلين ، فالقراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول ، ولا يمكن أن يكون هذا الخلط متلق عن الأوائل .
ومما يستدلون به قول ابن كثير ـ رحمه الله ـ : فلهذا كله اغتفر استعمال أحدهما مكان الآخر لمن لا يميز ذلك ـ والله أعلم ـ .
ولا حجة في ذلك مع ما قدمنا من الكلام على التمييز بينهما ـ وكما ترى ـ فقد قيد ذلك بمن لا يميز ، وذلك أمر واسع لا يختص بالضاد و الظاء وحدها فيغتفر استعمال أي حرف مكان الآخر لمن لا يميز ، فمن قرأ الضاد دالاً مفخمة ولم يستطع غيره فأنه يغتفر له ، لأن الاستطاعة مناط التكليف.
وفي الختام نذكر ما يلزم القارئ حال النطق بالضاد فنقول :
لزمه أن يشعر بارتفاع الحافة اليسرى من اللسان ، وانطباقها على الحنك الأعلى بمحاذاة الأضراس العليا ، وأن يجتهد في تليين الضاد حتى يمتد صوتها إلى آخر الحافة ، وليحذر من انحباس صوتها حتى لا تختلط بالطاء وحتى لا تكون كالدال المفخمة فإن ذلك خطأ أيضاً لا ينبغي التساهل فيه .
قال الإمام مكي ابن أبي طالب ـ رحمه الله ـ :
فلابد للقارئ المجود أن يلفظ بالضاد مفخمة مستعلية منطبقة مستطيلة ، فيظهر صوت خروج الريح عند ضغط حافة اللسان بما يليه من الأضراس عند اللفظ بها. ( )
ولا يحصل ذلك إلا بالتلقي مع التدرب على الضاد مفردة ساكنة فتقول : ( أض أض أض ) ولتصغ إلى صوتك مراعياً ما سبق مع الحذر كل الحذر من نطقها ظاء فإن ذلك يحيل المعنى ويفسده .