وكان رحمه الله طويلاً جسيماً أسمر اللون، أشهل العينين ( في سوادهما زرقة ) أبيض الرأس واللحية ، وكان يخضبها أحياناً بالحناء ، وكان فصيحاً بليغاً مفوهاً ، عليه السكينة والوقار ، وهو أحد القراء السبعة وتابعي جليل.
لقى من الصحابة بمكة عبد الله بن الزبير ، وأبا أيوب الأنصاري ، وأنس بن مالك ، ومجاهد بن جبر ، ودرباس مولى عبد الله بن عباس، وروى عنهم.
تلقى القراءة عن أبي السائب عبد الله بن السائب المخزومي ، وأبي الحجاج مجاهد بن جبر المكي ، ودرباس مولى عبدالله بن عباس . وقرأ ابن السائب على أبي بن كعب وعمر بن الخطاب، وقرأ مجاهد على عبد الله بن السائب وعبد الله بن عباس، وقرأ درباس على عبد الله بن عباس ، وقرأ ابن عباس على أبي بن كعب وزيد بن ثابت ، وقرأ أُبَيّ وزيد وعمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وكان قاضي الجماعة بمكة ، وإمام الناس في القراءة بها ، لم ينازعه فيها منازع .
وروى عنه القراءة إسماعيل بن عبد الله القِسط، وإسماعيل بن مسلم ، وحماد بن سلمة ، والخليل بن أحمد ، وسليمان بن المغيرة ، وشبل بن عباد ، وعبد الملك بن جريج ، وابن أبي مليكة ، وسفيان بن عيينة ، وأبو عمرو بن العلاء ، وعيسى بن عمر ، ونقل الإمام الشافعي قراءة ابن كثير وأثنى عليها، وقال : قراءتنا قراءة عبد الله بن كثير، وعليها وجدت أهل مكة .
قال الأصمعي : قلت لأبي عمرو : قرأت على ابن كثير! ، قال: نعم ، ختمت على ابن كثير بعد ما ختمت على مجاهد ، وكان ابن كثير أعلم بالعربية من مجاهد .
قال ابن مجاهد : ولم يزل عبد الله بن كثير هو الإمام المجتمع عليه في القراءة بمكة حتى مات سنة عشرين ومائة بمكة رضي الله تعالىعنه . وقيل إنه أقام مدة بالعراق ثم عاد إلى مكة ومات بها
وأشهــر مـن روى قــراءتــه .
1- البـزى. 2- قنبــل.
[1- البَزى ]
هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع بن أبي بزة، فهو منسوب إلى جده الأعلى أبي بزة، واسم أبي بَزة بشار، فارس من أهل همذان ، أسلم على يد السائب بن أبي السائب المخزومي . والبزة الشدة ، وكنية البزي أبو الحسن .
ولد سنة سبعين ومائة بمكة ، وهو أكبر من روى قراءة ابن كثير . رواها عن عكرمة بن سليمان عن إسماعيل بن عبد الله القسط ، وعن شبل بن عباد عن ابن كثير ، ولم ينفرد البزى برواية قراءة ابن كثير بل رواها معه جمع يستحيل تواطؤهم على الكذب ، لكنه كان أشهر الرواة وأميزهم وأعدلهم . وهو أستاذ محقق ضابط متقن للقراءة ثقة ، انتهت إليه مشيخة الإقراء بمكة ، وكان مؤذن المسجد الحرام وإمامه أربعين سنة، وقرأ عليه كثيرون منهم الحسن بن الحباب ، وأبو ربيعة ، وأحمد بن فَرْح ، ومحمد بن هارون ، ومحمد بن عبد الرحمن الشهير بقنبل، وهو الراوي الثاني لقراءة ابن كثير ، وستأتي ترجمته قريباً.
توفي البزى بمكة سنة خمس ومائتين عن ثمانين سنة رحمه الله .
[2- قنبل]
هو محمد بن عبد الرحمن بن خالد بن محمد بن سعيد المخزومي المكي، وكنيته أبو عمرو ، ولقبه قنبل، واختلف في سبب تلقبه بهذا اللقب، فقيل لأنه من بيت بمكة يقال لهم القنابلة ، وقيل لاستعماله دواءاً يقال له قُنْبيل معروف عند الصيادلة لداء كان به، فلما أكثر منه عرف به وحذفت الياء تخفيفاً.
ولد بمكة سنة خمس وتسعين ومائة ، وأخذ القراءة عرضاً عن أحمد بن محمد بن عون النبّال المعروف بالقواس ، وأحمد البزى المتقدم ذكره ، وقرأ القواس على أبي الإخريط وهب بن واضح ، وقرأ أبو الإخريط على إسماعيل بن عبد الله القسط ومعروف بن مشكان عن ابن كثير.
وروى القراءة عنه عرضاً أناس كثيرون ، منهم أبو ربيعة محمد بن إسحاق وهو من أجلِّ أصحابه ، ومحمد بن عبد العزيز بن عبد الله بن الصباح ، وأحمد بن موسى بن مجاهد مؤلف كتاب " السبعة " ومحمد بن شنبوذ وعبد الله بن جبير وهو من أقرانه .
قيل إنه لما طعن في السن قطع الإقراء قبل موته بسبع سنين، وقيل بعشر سنين، وتوفى سنة إحدى وتسعين ومائتين عن ست وتسعين سنة بمكة رحمه الله . [النشر(1/120)،والأعلام(7/62)]..
منهــج ابـن كثيــر فــي القـــراءة :
1. يبسمل بين كل سورتين إلا بين الأنفال والتوبة فكقالون .
2. يضم ميم الجمع ويصلها بواو إن كان بعدها متحرك بلا خلف عنه.
3. يصل هاء الضمير بواو إن كانت مضمومة وقبلها حرف ساكن وبعدها حرف متحرك نحو {منه آيات} ويصلها بياء إن كانت مكسورة وقبلها ساكن وبعدها متحرك نحو {فيه هدى} .
4. يقرأ بقصر المنفصل وتوسط المتصل قولاً واحداً.
5. يسهل الهمزة الثانية من الهمزتين من كلمة من غير إدخال ألف بينهما .
6. يختلف راوياه في الهمزتين من كلمتين إذا كانتا متفقتي الحركة فالبزى يقرأ كقالون، أعني بإسقاط الأولى إن كانتا مفتوحتين، وبتسهيلها إن كانتا مكسورتين أو مضمومتين، وقنبل يقرأ بتسهيل الثانية وإبدالها حرف مد كـ [ورش] أما مختلفتا الحركة فابن كثير من روايتيه يغير الثانية منهما كما يغيرها قالون وورش.
7. يفتح ياءات الإضافة إذا كان بعدها همزة قطع مفتوحة أو همزة وصل مقرونة بلام التعريف أو مجردة منها على تفصيل يعلم من المؤلفات.
8. يثبت بعض الياءات الزائدة وصلاً ووقفاً، وقد تكفل علماء القراءات ببيانها، وينبغي أن يعلم أن الخلاف بين راويي ابن كثير [ البزى وقنبل ] إنما هو في كلمات قليلة مبينة في كتب القراءات منثورها ومنظومها.
9. يقف على التاءات المرسومة في المصاحف تاء ـ الهاء نحو {رحمت الله وبركاته} ، { وجنت نعيم}.