هل تذكرت هاذم اللذات، ومفرق الجماعات ومشتت البنين والبنات؟
هل تذكرت يوماً تكون فيه من أهل القبور؟
هل تذكرت مفارقة الأهل والجيران، والأموال والأصحاب والأوطان؟
هل تذكرت ضيق القبور وظلمتها؟
هل تذكرت وحشتها وكربتها؟
هل تذكرت عذاب القبر وألوانه؟
هل تذكرت حياته وعقاربه وديدانه؟
هل تذكرت الشجاع الأقرع وعظم شأنه؟
هل تذكرت ضرب الفاجر بمرزبة من حديد مع الإهانة؟
هل تذكرت سؤال الملكين منكر ونكير؟
هل تذكرت أتوفق للصواب من الجواب، أم يقال لك: لا دريت ولا تليت؟
هل تذكرت نعيم القبر وروحه وريحانه؟
أخي أعد للسؤال جواباً، وللجواب صواباً، وللصواب إخلاصاً لا رياء. وكان عون بن عبد الله يقول في بكائه وذكر خطيئته: ويح نفسي، بأي شيء لم أعص ربي؟
ويحي ! إنما عصيتُه بنعمته عندي.
ويحي ! من خطيئة ذهبت شهوتُها، وبقيت تبعتُها عندي.
ويحي ! كيف أنسى الموت ولا ينساني؟
ويحي ! إن حُجبت يوم القيامة عن ربي.
ويحي ! كيف أغفل ولا يغفل عني؟
أم كيف تُهنئُي معيشتي واليوم الثقيل ورائي؟ أم كيف لا تطول حسرتي ولا أدري ما يفعل بي؟
أم كيف يشتد حبي لدار ليست بداري؟
أم كيف أجمعُ بها وفي غيرها قراري؟
أم كيف تعظم فيها رغبتي والقليل منها يكفيني؟
أم كيف أوثرها وقد أضرت بمن آثرها قبلي؟
أم كيف لا أبادر بعملي قبل أن يغلق باب توبتي؟
أم كيف يشتد إعجابي بما يزايلني وينقطع عني؟
فيا أيها الشاب: إياك أن تسوف بالتوبة وتتكل على العفو والمغفرة وإياك أن تقول: ما زلت في شبابي وسوف أتوب إذا تقدمت بي السن، فالموت لا يعرف شيخاً ولا شاباً، ولا رجلاً ولا امرأة، ولا غنياً ولا فقيراً، ولا أميراً ولا وزيراً.
قل للمفرط يستعد *** ما من ورود الموت بدُ
قد أخلق الدهر الشباب *** وما مضى لا يُستردُ
أو ما يخاف أخو المعا صي *** من له البطشُ الأشدُ
يوماً يعاين موقفاً *** فيه خطوب لا تجد
فإلام يشتغل الفتى *** في لهوه والأمر جدُ
أبداً مواعيد الزمان *** لأهله تعب وكد
يا من يؤمل أن يقيم *** به وحادي الموت يحدو
وتروح داعية المنون *** على مؤملها وتغدو
يختال في ثوب النعيم *** ودونه قبر ولحد
والعمر يقصرُ كل يوم *** ثم في الآمال مدُ
أيقظنا الله وإياكم من هذه الرقدة، وذكرنا الموت وما يأتي بعده، وألهمنا شكره على النعم وحمده، إنه كريم لا يرد عبده.
وقبل أن أختم كلامي معك، كأنني بك تتساءل، ما هو الثمن الذي أرجوه وما هو جزائي إن تبت إلى الله وأنبت؟ فأقول لك والثمن الجنة...؟
ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله : { قال الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر }. وفي الصحيح من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله : { لقاب قوس أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها }.
وفي صحيح البخاري من حديث سهل بن سعد قال: سمعت رسول الله يقول: { موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها }.