************************
ديوان الأمام الشافعي
************************
كتمان الأسرار
إذا المـرءُ أفشـى سـرهُ بلسانـهِ .... ولامَ عليـه غيـره فهـو أحمـقُ
إذا ضاقَ صدرُ المرءِ عن سرِ نفسهِ .... فصدرُ الذي يستودعُ السرَ أضيـقُ
حمل النفس على ما يزينها
صن النفسَ واحملها على ما يزينهـا .... تعش سالمـاً والقـولُ فيـكَ جميـلُ
ولا تـريـنَ الـنـاسَ إلا تجـمـلاً .... نبـا بـك دهـرٌ أو جفـاك خليـلُ
وإن ضاقَ رزقُ اليومِ فاصبر إلى غدٍ .... عسى نكباتُ الدهـرِ عنـكَ تـزولُ
ولا خيرَ فـي ودِ امـريءٍ متلـونٍ .... إذا الريحُ مالت ، مالَ حيـثُ تميـلُ
وما أكثـرَ الإخـوانَ حيـن تعُدهـم .... ولكنهـم فــي النائـبـاتِ قلـيـلُ
تعريف الفقيه والرئيس والغني
إن الفقيه هـو الفقيـه بفعلـهِ .... ليس الفقيـهُ بنطقـهِ ومقالـهِ
وكذا الرئيسُ هو الرئيسُ بخلقهِ .... ليس الرئيسُ بقومهِ ورجالـهِ
وكذا الغنيُ هو الغنيُ بحالـهِ .... ليس الغنـيُ بملكـهِ وبمالـهِ
القناعة
رأيت القناعة رأسُ الغـنا .... فصرتُ بأذيالها متمسـك
فلا ذا يراني علـى بابـهِ .... ولا ذا يراني به منهمـك
فصرت غنياً بـلا درهـمٍ .... أمرُ على الناس شِبه الملك
مكارم الأخلاق
لما عفوتُ ولم أحقد على أحدٍ .... أرحتُ نفسي من هم العداواتِ
إني أحيي عَدُوي عند رؤيتـه .... أدفعُ الشرَ عنـي بالتحيـاتِ
وأظهر البِشْرَ للإنسانِ أبغضهُ .... كما أنْ قد حشى قلبي محباتِ
الناس داءٌ ودواءُ الناس قربهم .... وفي اعتزالهم قطعُ المـوداتِ
تأتي العزة بالقناعة
أمت مطامعي فأرحت نفسي .... فإن النفسَ ما طمعت تهونُ
وأحييت القنوعَ وكان ميتـاً .... ففي إحيائهِ عرضٌ مصونُ
إذا طمعٌ يحلُ بقلـب عبـدٍ .... عَلتهُ مهانةٌ وعـَلاه هـونُ
الإعراض عن الجاهل
أعرضْ عن الجاهلِ السفيه .... فكلُ مـا قـالَ فهـو فيـه
ما ضَر ُبحر الفراتِ يومـاً .... إن خاضَ بعضُ الكلابِ فيه
كتب إلى ابويطي وهو في السجن : حسن خلقك مع الغرباء ووطن نفسك لهم فإني كثيراً ما سمعت الشافعي يقول :
أهينُ لهم نفسي وأكرمها بهم .... ولا تُكْرمُ النفسُ التي لا تُهينُها
توقير الرجال
ومن هاب الرجـال تهيّبـوه .... ومن حقر الرجال فلن يهابـا
ومن قضت الرجال له حقوقاً .... ولم يقض الرجال فما أصابا
السماحة وحسن الخلق
إذا سبنـي نـذل تزايـدت رفعـة .... وما العيب إلا أن أكـون مساببـه
ولو لم تكن نفسـي علـى عزيـزة .... لمكنتها مـن كـل نـذل تحاربـه
ولو أنني اسعـى لنفعـي وجدتـن .... كثير التوانـي للـذي أنـا طالبـه
ولكننـي اسعـى لأنفـع صاحبـي .... وعار على الشبعان إن جاع صاحبه
***
يخاطبني السفيه بكل قبح .... فأكره أن أكون له مجيباً
يزيد سفاهة فأزيد حلمـاً .... كعودٍ زاده الإحراق طيباً
الفضل
أرى الغرفى الدنيا إذا كان فاضلاً .... ترقى على رؤس الرجال ويخطب
وإن كان مثلي لا فضيلـة عنـده .... يقاس بطفلٍ في الشوارع يلعـب
قال الربيع بن سليمان يقول الشافعي :
على كل حالٍ أنت بالفضل آخذ .... وما الفضل إلا للـذي يتفضـل
الزهد ومصير الظالمين
بلوت بني الدنيا فلـم أر فيهـم .... سوى من غدا والبخل ملء إهابه
فجردت من غمد القناعة صارماً .... قطعت رجائـي منهـم بذبابـه
فلا ذا يراني واقفاً فـي طريقـه .... ولا ذا يراني قاعداً عنـد بابـه
غنى بلا مالً عن النـاس كلهـم .... وليس الغنى إلا عن الشيء لآ به
إذا ما ظالم استحسن الظلم مذهباً .... ولج عتواً فـي قبيـح اكتسابـه
فكله إلى صرف الليالـي فإنهـا .... ستدعو له ما لم يكن في حسابـه
فكم قد رأينـا ظالمـاً متمـرداً .... يرى النجم رتيهاً تحت ظل ركابه
فعما قليلٍ وهـو فـي غفلاتـه .... أناخت صروف الحادثات ببابـه
وجوزى بالأمر الذي كان فاعلاً .... وصب عليه الله سـوط عذابـه
السكوت سلامة
قالوا اسكت وقد خوصمت قلت لهم .... إن الجـواب لبـاب الشـر مفتـاح
والصمت عن جاهلٍ أو أحمقٍ شرف .... وفيه أيضاً لصون العرض إصـلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامته ؟ .... والكلب يخسى لعمري وهـو نبـاح
الصمت خير من حشو الكلام
لا خير في حشو الكلام إذا اهتدت إلى عيونـه
والصمت أجمل بالفتـى من منطق في غير حينه
وعلى الفتـى لطباعـه سمة تلوح على جبينـه
فضل السكوت
وجدت سكوتي متجـراً فلزمتـه .... إذا لم أجد ربحاً فلست بخاسـر
ما الصمت إلا في الرجال متاجر .... وتاجره يعلو علـى كـل تاجـر
ومما تمثل به الإمام
إذا نطق السفيه فلا تجبه .... فخير من إجابته السكوت
فإن كلمته فرجت عنـه .... وإن خليته كمداً يمـوت
الإعتزاز بالنفس
ماحك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمـرك
وإذا قصـدت لحاجـةٍ فاقصد لمعترفٍ بقدرك
الإنسان وحظه
المرء يحظى ثم يعلو ذكره .... حتى يزين بالذي لم يفعـل
وترى الشقي إذا تكامل عيبه .... يشقى وينحل كل ما لم يعمل
الإيثار والجود
أجود بموجودٍ ولو بت طاويـاً .... على الجوع كشحاً والحشا يتألم
وأظهر أسباب الغنى بين رفقتي .... لمخافهم حالي وإنـي لمعـدم
وبيني وبين الله اشكـو فاقتـي .... حقيقاً فـإن الله بالحـال أعلـم
عزة النفس
لقلع ضرس وضرب حبس ونـزع نفـس ورد أمـس
وقـر بـردٍ وقـود فـرد ودبغ جلد ٍ بغيـر شمـس
وأكل ضـب وصيـد دب وصرف حب بأرض خرس
ونفخ نـار ٍ وحمـل عـارٍ وبيـع دارٍ بربـع فـلـس
وبيع خـف وعـدم إلـفٍ وضرب ألفٍ بحبـل قلـس
أهون مـن وقفـة الحـر يرجو نوالاً ببـاب نحـس
الهمة العالية
أمطري لؤلؤاً جبال سرنديب وفيضي آباز تكرور تبـرا
أنا إن عشت لست اعدم قوتاً وإذا مت لست اعدم قبـراً
همتي همة الملوك ونفسـي نفس حر ترى المذلة كفـراً
وإذا ما قنعت بالقوت عمري فلماذا أزور زيـداً وعمـراً
الجود
إذا لم تجودوا والأمور بكم تمضي .... وقد ملكت أيديكم البسط والفيضـا
فماذا يرجـى منكـم إن عزلتـم .... وعضتكم الدنيـا بأنيابهـا عضـا
وتسترجـع الأيـام مـا وهبتكـم .... ومن عادة الأيام تسترجع القرضا
حقوق الناس
أرى راحة للحـق عنـد قضائـه .... ويثقل يوماً إن تركت علـى عمـد
وحسبك حظاً أن ترى غير كـاذبٍ .... وقولك لم اعلم وذلك مـن الجهـد
ومن يقض حق الجار بعد ابن عمه .... وصاحبه الأدنى على القرب والبعد
يعش سيداً يستعذب النـاس ذكـره .... وإن نابه حق أتـوه علـى قصـد
منتهى الجود
يا لهف نفسي علـى مـال أفرقـه .... على المقلين من أهـل المـروات
إن إعتذاري إلى من جاء يسألنـي .... ما ليس عندي لمن إحدى المصيبات
فساد طبائع الناس
ألم يبق في الناس إلا المكر والملق .... شوك ، إذا لمسوا ، زهر إذا رمقوا
فإن دعتك ضـرورات لعشرتهـم .... فكن جحيماً لعل الشـوك يحتـرق
حصيد البدع
لم يبرح الناس حتى أحدثـوا بدعـاً .... في الدين بالرأي لم يبعث بها الرسل
حتى استخـف بديـن الله أكثرهـم .... وفي الذي حملوا من حقـه شغـل
الأمراض من ثلاث
ثلاث هـن مهلكـة الأنـام .... وداعية الصحيح إلى السقام
دوام مـدامـةٍ ودوام وطءٍ .... وإدخال الطعام على الطعام
مدارة الحساد
وداريت كل الناس لكن حاسدي .... مدارته عـزت وعـز منالهـا
وكيف يداري المرء حاسد نعمةٍ .... إذا كان لا يرضيه إلا زوالهـا
مرارة تحميل الجميل
لا تحملـن لمـن يمـن من الأنام عليـك منـة
واختر لنفسـك حظهـا واصبر فإن الصبر جنة
منن الرجال على القلوب أشد من وقـع الأسنـة
المنــة
رأيتـك تكوينـي بمبسـم منـةٍ .... كأنك سر من أسـرار تكوينـي
فدعنـي مـن الـمـن فلقـمـة من الـ .... عيش تكفيني إلى يوم تكفيني
شح الأنفس
وانطقت الدراهم بعد صمتٍ .... أناساً بعد ما كانوا سكوتـاً
فما عطفوا على أحدٍ بفضلٍ .... ولا عرفوا لمكرمةٍ ثبوتـاً
الكفر بالمنجمين
خبرا عني المنجـم أنـي كافر بالذي قضته الكواكب
عالماً أن ما يكون وما كان قضاه من المهيمن واجب
***
تغرب عن الأوطان في طلب العلى .... وسافر ففي الأسفار خمس فوائـد
تفريـج هـم واكتسـاب معيشـةٍ .... وعلـمٍ وآدابٍ وصحبـة مـاجـد
الحض على السفر من أرض الذل
ارحل بنفسك من ارضٍ تضام بهـا .... ولا تكن من فراق الأهل في حرق
فالعنبر الخام روث فـي مواطنـه .... وفي التغرب محمولُ على العنـق
والكحل نوع من الأحجار تنظـره .... في أرضه وهو مرمي على الطرق
لما تغرب حـاز الفضـل أجمعـه .... فصار يحمل بين الجفـن والحـدق
حال الغريب
إن الغريب له مخافة سارقٍ .... وخضوع مديونٍ وذلة موثق
فإذا تذكـر أهلـه وبـلاده .... ففؤاده كجناح طيرٍ خافـق
الحض على الترحال
ما في المقام لـذي عقـلٍ وذي أدبٍ .... من راحة فـدع الأوطـان واغتـرب
سافر تجـد عوضـاً عمـن تفارقـه .... وانصب فإن لذيذ العيش في النصـب
إني رأيـت وقـوف المـاء يفسـده .... إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطـب
والأسد لولا فراق الأرض ما افترست .... والسهم لولا فراق القوس لم يصـب
والشمس لو وقفت في الفلك دائمـة ً .... لملها الناس من عجـم ومـن عـرب
والتبر كالترب ملقـي فـي أماكنـه .... والعود في أرضه نوع من الحطـب
فـإن تغـرب هـذا عـز مطلـبـه .... وإن تغـرب ذلـك عـز كالـذهـب
الدهر يوم لك ويوم عليك
الدهر يومان ذا أمن وذا خطـر .... والعيش عيشان ذا صفو وذا كدر
أما ترى البحر تعلو فوقه جيف .... وتستقر بأقصى قاعـه الـدرر
وفي السماء نجوم لا عداد لهـا .... وليس يكسف إلا الشمس والقمر
اليقظة والحذر
تاه الأعيرج واستغلى به الخطر .... فقل له خير ما استعملته الحذر
أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنـت .... ولم تخف سوء ما يأتي بها القدر
وسالمتك الليالي فاغتررت بهـا .... وعند صفو الليالي يحدث الكدر
الرضا بالقدر
وما كنت راضٍ من زماني بما ترى .... ولكنني راضٍ بمـا حكـم الدهـر
فإن كانت الأيـام خانـت عهودنـا .... فإنـي بهـا راضٍ ولكنهـا قهـر
رد الجميل بالسيء
ومن الشقـاوة أن تحـب ومن تحب يحب غيـرك
أو أن تريد الخير للإنسان وهـو يريـد ضـيـرك
الحظوظ
تموت الأسد في الغابات جوعاً .... ولحم الضأن تأكلـه الكـلاب
وعبد قد ينـام علـى حريـرٍ .... وذو نسبٍ مفارشـه التـراب
تملك الأوغاد
محن الزمان كثيرة لا تنقضي .... وسـروره يأتيـك كالأعيـاد
ملك الأكابر فاسترق رقابهم .... وتراه رقاً في يـد الأوغـاد
مثلما تدين تدان
تحكموا فاستطالوا فـي تحكمهـم .... وعما قليل كأن الأمر لـم يكـن
لو انصفوا انصفوا لكن بغوا .... فبقى عليهم الدهر بالأحزان والمحـن
فأصبحوا ولسان الحال ينشدهـم .... هذا بذاك ولا عتب على الزمـن
زن بما وزنت به
زن من وزنك بما وزنك وما وزنك بـه فزنـه
من جاء إليك فرح إليه ومن جفاك فصد عنـه
من ظـن إليـك دونـه فاترك هواه إذن وهنـه
وارجع إلى رب العباد فكل مـا يأتيـك منـه
إكرام النفس
قنعت بالقوت من زماني وصنت نفسي عن الهوان
خوفاً من الناس ان يقولوا فضلاً فلان على فـلان
من كنت عنه ماله غنيـاً فـلا أبالـي إذا جفانـي
ومن رآني بعين نقـصٍ رأيتـه بالتـي رآنــي
ومن رآنـي بعيـن تـم رأيتـه كامـل المعانـي
عين الرضا
وعين الرضا عن كل عيب كليلة .... ولكن عين السخط تبدي المساويا
ولست بهياب لمـن لا يهابنـي .... ولست أرى للمرء ما لا يرى ليا
فإن تدن مني تدن منك مودتـي .... وإن تنأ عني تلقني عنـك نائيـاً
كلانا غني عـن أخيـه حياتـه .... ونحـن إذا متنـا أشـد تغانيـا
احذر الناس
إذا رمت أن تحيا سليماً من الردى .... ودينك موفـور وعرضـك صيـن
فلا ينطقن منـك اللسـان بسـوأةٍ .... فكلـك سـوؤات وللنـاس السـن
وعينـاك إن أبـدت إليـك معايبـاً .... فدعها وقل يا عين للنـاس أعيـن
وعاشر بمعروفٍ وسامح من اعتدى .... ودافع ولكن بالتـي هـي أحسـن
دية الذنب الإعتذار
قيل لي قد أسى عليك فلان .... ومقام الفتى على الذل عـار
قلت قد جاءني وأحدث عذراً .... دية الذنب عندئذٍ الإعتـذار
التماس العذر
اقبل معاذير من يأتيك معتذراً .... إن بر عندك فيما قال أو فجراً
لقد أطاعك من يرضيك ظاهره .... وقد أجلك من يعصيك مستتراً
من الورع اشتغالك بعيوبك
المرء إن كان عاقلاً ورعـاً .... اشغله عن عيوب غيره ورعه
كما العليـل السقيـم اشغلـه .... عن وجع الناس كلهم وجعـه
آداب النصح
تعمدني بنصحك في انفـرادي .... وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين النـاس نـوعٌ .... من التوبيخ لا أرضى استماعه
وإن خالفتني وعصيت قولـي .... فلا تجزع إذا لم تعط طاعـه
واعظ الناس
يا واعظ الناس عما أنـت فاعلـه .... يا من يعد عليـه العمـر بالنفـس
أحفظ لشيبك مـن عيـب يدنسـه .... إن البياض قليـل الحمـل للدنـس
كحامـلٍ لثيـاب النـاس يغسلهـا .... وثوبه غارق في الرجس والنجس
تبغى النجاه ولم تملـك طريقتهـا .... إن السفينة لا تجري على اليبـس
ركوبك النعش ينسيك الركوب على .... ما كنت تركب من بغلٍ ومن فرسٍ
يـوم القيامـة لا مـالٍ ولا ولـدٍ .... وضمة القبر تنسي ليلـة العـرس
وقول الآخر :
لا كلف الله نفساً فوق طاقتها .... ولا تجود يد إلا بمـا تجـد
فلا تعد عده إلا وفيت بهـا .... واحذر خلاف مقالٍ للذي تعد
حفظ اللسان
احفظ لسانك أيهـا الإنسـان .... لا يلدغنـك إنـه ثعـبـان
كم في المقابر من قتيل لسانه .... كانت تهاب لقـاءه الأقـران